تطور الطفل في الشهر الثامن

يمثل الشهر الثامن من عمر الطفل مرحلة حيوية ومهمة في نموه وتطوره، إذ تشهد هذه الفترة تطورات ملحوظة في النواحي الجسدية، الحركية، العقلية، والاجتماعية. وفي هذا المقال، نستعرض بالتفصيل جميع الجوانب التي يمر بها الطفل في هذا الشهر، مع التركيز على مراحل النمو المختلفة والتغيرات التي تطرأ عليه، مع تقديم معلومات مدعمة علمياً تساعد في فهم طبيعة التطور الحاصل في هذه المرحلة الدقيقة من عمر الطفل.

التطور الجسدي والحركي في الشهر الثامن

تعد القدرة الحركية من أبرز ما يميز الطفل في الشهر الثامن، حيث يبدأ الطفل في تحسين مهاراته الحركية الكبرى والصغرى بشكل كبير. يصبح الطفل أكثر نشاطاً وقدرة على التحكم بحركات جسمه، إذ يزداد ميله إلى الاستقلالية في الحركة.

الحركات الكبرى

في هذا العمر، يكون الطفل عادة قادراً على:

• الجلوس دون دعم: معظم الأطفال في الشهر الثامن يستطيعون الجلوس بشكل مستقر دون الحاجة إلى دعم من الخلف أو الجوانب، وذلك بفضل تقوية عضلات الظهر والبطن.

• الزحف أو الحبو: يبدأ العديد من الأطفال في الزحف على البطن أو الحبو باستخدام اليدين والركبتين، مما يعزز قدرة التنقل والاستكشاف.

• التحرك بالانحناء: قد يبدأ الطفل بمحاولة الانحناء للالتقاط الأشياء على الأرض، ثم العودة إلى وضع الجلوس.

• الوقوف مع دعم: بعض الأطفال يبدأون في محاولة الوقوف مستندين إلى الأثاث، وهذا مؤشر على تطور قوة العضلات في الساقين.

الحركات الدقيقة

تتطور المهارات الحركية الدقيقة عند الطفل بشكل ملحوظ في الشهر الثامن، حيث يلاحظ:

• تحسن القدرة على استخدام الأصابع للإمساك بالأشياء الصغيرة، مثل اللعب أو قطع الطعام الصغيرة.

• قدرة على تمرير الأشياء من يد إلى أخرى بكفاءة.

• محاولة لتقليد حركة اليد أو وضع الأشياء في الفم.

هذه الحركات الدقيقة تشير إلى تطور تنسيق اليد والعين وتعمل على تقوية العضلات الصغيرة في اليد.

التطور العقلي والإدراكي

تشهد القدرات الذهنية والإدراكية طفرة نوعية في الشهر الثامن من عمر الطفل. يبدأ الطفل في هذا العمر بفهم أفضل لما يدور حوله من بيئة، وتنمية مهارات التعلم والإدراك.

الإدراك الحسي والمعرفي

• يبدأ الطفل في تمييز الأصوات المختلفة وربطها بمواقف معينة، مثل التعرف على صوت الوالدين أو رنين الجرس.

• يظهر اهتمام واضح بالأشياء المتحركة والألعاب التي تصدر أصواتًا.

• يبدأ في استكشاف البيئة المحيطة به عن طريق لمس الأشياء، تحسسها، ووضعها في الفم.

الذاكرة والتعلم

• تتطور ذاكرة الطفل، حيث يصبح قادرًا على تذكر الوجوه والأماكن لفترات أطول.

• يبدأ الطفل في تجربة التفاعل مع أشياء مختلفة لمعرفة نتائج أفعاله، مثل رمي الألعاب أو الضغط عليها.

• يبدأ في إدراك مفهوم السبب والنتيجة، وهو أساس التعلم التجريبي.

التطور اللغوي والتواصلي

في الشهر الثامن، يبدأ الطفل بإظهار علامات واضحة على تطور مهاراته اللغوية والتواصلية.

الأصوات والتعبيرات

• يصدر الطفل مجموعة متنوعة من الأصوات مثل الهمهمة، النغمات المتكررة، وبعض المقاطع الصوتية مثل “با” أو “ما”، التي تمثل بداية تكوين اللغة.

• يبدأ في تقليد الأصوات التي يسمعها من حوله، مما يعزز تواصله اللفظي.

• يظهر الطفل تعبيرات وجه متنوعة تعبر عن مشاعره مثل السعادة، الاستغراب، الغضب أو الحزن.

التواصل غير اللفظي

• يستخدم الطفل الإشارات مثل التلويح باليد أو الإيماء، وهذا يعد من أولى مراحل التواصل الفعّال.

• يستجيب للنداءات باسمه وينظر إلى مصدر الصوت.

• يبدأ في فهم بعض الكلمات البسيطة أو الأوامر مثل “لا” أو “تعال”.

التطور الاجتماعي والعاطفي

تتطور مهارات الطفل الاجتماعية والعاطفية بشكل ملحوظ خلال الشهر الثامن، حيث يبدأ في بناء علاقات أعمق مع الأشخاص المحيطين به.

الارتباط والارتياح

• يظهر الطفل تعلقاً واضحاً بالوالدين أو من يعتنون به، ويُظهر ذلك من خلال البحث عنهم عند غيابهم أو التوتر عند الابتعاد.

• يبدأ في إظهار ردود فعل على مشاعر الآخرين، مثل الابتسامة عندما يرى وجهًا مألوفًا أو التوتر عند الغريب.

اللعب الاجتماعي

• يحب الطفل اللعب مع الآخرين ويبدأ في الاستمتاع بالألعاب التفاعلية مثل لعبة الغميضة.

• يمكن أن يعبر عن سعادته أو استيائه بشكل واضح أثناء التفاعل الاجتماعي.

• يتعلم بعض القواعد الاجتماعية البسيطة مثل تقاسم الألعاب أو انتظار دوره.

التطور الغذائي والهضمي

يبدأ الطفل في الشهر الثامن بشكل متزايد في تناول أنواع مختلفة من الطعام الصلب، ويبدأ الجهاز الهضمي لديه بالتكيف مع هذا النوع الجديد من التغذية.

إدخال الأطعمة الصلبة

• في هذا العمر، يُنصح بأن يكون الطفل قد بدأ تناول الأطعمة المهروسة أو المهضومة جيدًا بجانب الحليب (الرضاعة الطبيعية أو الحليب الصناعي).

• يتعرف الطفل على نكهات جديدة وقوامات مختلفة، مما يساعد على تطوير مهارات المضغ والبلع.

النصائح الغذائية

• يُفضل تقديم أطعمة غنية بالحديد مثل البطاطا الحلوة، الجزر، واللحم المهروس.

• تجنب الأطعمة التي قد تسبب حساسية أو الاختناق مثل العسل أو المكسرات.

• مراقبة الطفل أثناء تناول الطعام لتجنب أي حالات اختناق.

النمو البدني والوزن والطول في الشهر الثامن

في الشهر الثامن، يزداد وزن وطول الطفل بوتيرة منتظمة تعكس صحته ونموه السليم.

يرتبط النمو البدني بالعوامل الوراثية والتغذية الجيدة، كما أن النشاط الحركي يعزز بناء العضلات وتقوية العظام.

المشكلات الصحية الشائعة في الشهر الثامن

مع تطور الطفل، قد تواجه الأمهات بعض المشكلات الصحية التي تظهر في هذا العمر، والتي تستدعي الانتباه والمتابعة.

التسنين

• يبدأ التسنين في أوقات مختلفة، لكنه غالباً ما يبدأ بين الشهر السادس والعاشر.

• تظهر أعراض التسنين على شكل زيادة في إفراز اللعاب، التهيج، الرغبة في مضغ الأشياء، وربما ارتفاع بسيط في درجة الحرارة.

• من المهم تهدئة الطفل باستخدام عضاضات خاصة ونظافة الفم المستمرة.

مشاكل النوم

• قد يعاني الطفل من اضطرابات النوم بسبب القلق أو الألم الناتج عن التسنين.

• من المفيد اتباع روتين نوم منتظم واستخدام طرق مهدئة كقراءة قصة أو الموسيقى الهادئة.

حساسية الطعام

• مع إدخال الأطعمة الصلبة، يمكن أن تظهر بعض الحساسية الغذائية.

• يجب مراقبة رد فعل الطفل لأي طعام جديد واستشارة الطبيب عند ظهور أعراض مثل الطفح الجلدي، الإسهال، أو التقيؤ.

دور الأسرة في دعم تطور الطفل في الشهر الثامن

يلعب المحيط الأسري دوراً محورياً في دعم تطور الطفل في هذه المرحلة الحساسة، حيث أن التفاعل المستمر والبيئة الآمنة يعززان نموه العقلي والعاطفي.

أهمية التواصل

• التحدث مع الطفل، الغناء، وتكرار الكلمات البسيطة تساعد في تحفيز تطور اللغة.

• التواصل البصري والابتسامة تعزز شعور الطفل بالأمان والحب.

اللعب والتنمية

• تقديم الألعاب التي تحفز الحواس والمهارات الحركية مثل الألعاب الملونة، الألعاب التي تصدر أصواتًا، والدمى الناعمة.

• تشجيع الحركة من خلال توفير مساحة آمنة للزحف واللعب.

الرعاية الصحية

• متابعة مواعيد التطعيم والفحوصات الدورية لضمان صحة الطفل.

• مراقبة نمو الطفل وتطوره باستمرار، والتواصل مع الطبيب في حالة وجود أي مخاوف.

خاتمة

يمثل الشهر الثامن من عمر الطفل مرحلة حاسمة في تطوره حيث تتكامل المهارات الحركية، العقلية، اللغوية والاجتماعية بطريقة متسارعة وواضحة. يعتمد تطور الطفل في هذه المرحلة بشكل كبير على البيئة المحيطة به، وجودة الرعاية التي يتلقاها من الأسرة والمحيطين به. الفهم الدقيق لهذه التطورات يمكن أن يساعد الأهالي على دعم نمو طفلهم بطريقة فعالة تضمن له بداية صحية وسليمة للحياة.

المصادر والمراجع

1. Mayo Clinic. (2023). Infant Developmental Milestones: 8 Months Old. Retrieved from https://www.mayoclinic.org/healthy-lifestyle/infant-and-toddler-health/in-depth/infant-development/art-20047247

2. American Academy of Pediatrics. (2022). Caring for Your Baby and Young Child: Birth to Age 5. Bantam Books.